فصل: فَصْلٌ: حكم مَن لَهُ عَلَى إنْسَانٍ حَقٌّ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ مِنْهُ بِحَاكِمٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: حكم مَن ادَّعَى عَلَى غَائِب مَسَافَةَ قَصْرٍ:

(وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَائِب مَسَافَةَ قَصْرٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ) ادَّعَى عَلَى (مُمْتَنِعٍ) مِنْ الْحُضُورِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (أَيْ مُسْتَتِرٍ إمَّا فِي الْبَلَدِ أَوْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ أَوْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهَا (وَلَمْ يُحْكَمْ لَهُ) بِمَا ادَّعَاهُ لِحَدِيثِ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» (وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) لِحَدِيثِ هِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَضَى لَهَا وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فَجَازَ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَأَمَّا تَقْيِيدُ الشَّافِعِيَّةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ وَأَمَّا الْمُسْتَتِرُ فَلِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْحُضُورِ أَشْبَهَ الْغَائِبَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا بِخِلَافِ الْمُسْتَتِرِ وَالْمَيِّتُ كَالْغَائِبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَحْضُرُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَالصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ كَالْغَائِبِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُعَبِّرُ عَلَى نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عَمَلِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ أَحْضَرَهُ لِيَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ.
وَ(لَا) يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ (فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ مَبْنَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ (لَكِنْ يَقْضِي فِي السَّرِقَةِ بِالْمَالِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ (وَلَيْسَ تَقَدَّمَ الْإِنْكَارِ فِي الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ شَرْعًا) إذْ الْغَيْبَةُ وَنَحْوُهَا كَالسُّكُوتِ وَالْبَيِّنَةِ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ هُوَ مُعْتَرِفٌ وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا لَمْ تُسْمَعْ وَقَالَهُ الْأَزَجِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ مِنْ التَّرْغِيبِ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ) مَعَ بَيِّنَتِهِ التَّامَّةِ (أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَكَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ (وَالِاحْتِيَاطُ تَحْلِيفُهُ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَادَّعَى بَعْضَ ذَلِكَ (وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبَ مَنْ يُنْكِرُ أَوْ يُحْبَسُ بِغَيْرِهِ عَنْ الْغَائِب لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْإِنْكَارِ لَيْسَ شَرْطًا كَمَا سَبَقَ) ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّغِيرُ وَرَشَدَ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَظَهَرَ الْمُسْتَتِرُ فَهُمْ عَلَى حِجَجِهِمْ (لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ صَارُوا كَالْحَاضِرِينَ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَفَ الْحُكْمُ) عَلَى حُضُورِهِ وَلَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ لَكِنْ يُخْبِرُهُ بِالْحَالِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ.
(وَلَوْ جَرَحَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ) جَرَحَهَا (مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يَغُرَّهُ لِمَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَلَا لِمَا بَعْدَهَا (لَمْ يَقْبَلْ) تَجْرِيحُهُ لَهَا (لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (وَإِنْ جَرَحَهَا بِأَمْرٍ) مُفَسِّقٍ (كَانَ قَبْلَ) أَدَاءَ (الشَّهَادَةِ قَبِلَ) بِالْبَيِّنَةِ (وَبَطَلَ الْحُكْمُ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ.
(وَلَا يَمِينَ مَعَ بَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ) فِي دَعْوَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَقَوْلِهِ) فِي أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ (لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِنَفَاذِ مَالِهِ أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (يَحْلِفُ مَعَهَا) لَا يَحْلِفُ عَلَى غَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَلَا تَكْذِيب لَهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَلَاكِ مَا شَهِدَتْ بِهَلَاكِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُرْتَهِنِ وَالْوَدِيعِ وَنَحْوِهِمَا إذَا ادَّعُوا التَّلَفَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ بِوُجُودِ الظَّاهِرِ يَحْلِفُونَ عَلَى التَّلَفِ.
(قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَخْتَصُّ الْيَمِينُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْمُدَّعِي) لِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (إلَّا فِي الْقَسَامَةِ) فَيَبْدَأُ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ لِخَبَرِهَا الْخَاصِّ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهَا.
(وَ) إلَّا فِي (دَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةِ) كَدَعْوَى التَّلَفِ وَعَدَمِ التَّفْرِيطِ وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ (وَبِحَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مَالًا أَوْ يَقْصِدُ بِهِ الْمَالَ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَالَ حَفِيدُهُ) أَيْ ابْنُ ابْنِهِ وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّين بْنُ تَيْمِيَّةَ (دَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةُ غَيْرُ مُسْتَثْنَاةٍ) مِنْ قَوْلِنَا تَخْتَصُّ الْيَمِينُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَيَحْلِفُونَ وَذَلِكَ) أَيْ تَوْضِيحُ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِمْ (لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِتَفْرِيطٍ أَوْ عُدْوَانٍ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَنْكَرُوا أَنَّهُمْ مُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ) فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِمْ لَكِنَّ جَدَّهُ نَظَرَ إلَى الصُّورَةِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ) غَائِبًا (عَنْ الْبَلَد دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ) مِنْ الْحُضُورِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى) عَلَيْهِ (وَلَا الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ) لِأَنَّ حُضُورَهُ مُمْكِنٌ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ (كَحَاضِرٍ فِي الْمَجْلِسِ) الْغَائِبِ الْبَعِيدِ وَالْمُمْتَنِعِ (فَإِنْ أَبَى) الْخَصْمُ (الْحُضُورَ لَمْ يَهْجُمْ) لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ شَهَادَتِهِ (وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ لِفُلَانٍ بِكَذَا) أَيْ فَيَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا كَمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْحَقِّ نَفْسِهِ قُلْتُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ بَاقِي شُرُوطِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ حُضُورٍ كَالْغَالِبِ الْبَعِيدِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَ) الْحَاكِمُ (لَهُ) أَيْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُمْتَنِعِ (مَالًا وَفَّاهُ مِنْهُ وَإِلَّا قَالَ لِلْمُدَّعِي إنْ وَجَدْتَ لَهُ مَالًا وَثَبَتَ عِنْدِي) أَنَّهُ مَالُهُ (وَفَّيْتُكَ مِنْهُ) لِوِلَايَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ (وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى الْغَائِبِ) أَوْ الْمُمْتَنِعِ (عَيْنًا سُلِّمَتْ إلَى الْمُدَّعِي) كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا.
(وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ لِامْتِنَاعِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَهُ وَالْكِتَابَةِ لَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيَحْكُم لَهُ بِكِتَابِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَيَصِحُّ) الْحُكْمُ لِلْغَائِبِ (تَبَعًا كَدَعْوَاهُ) أَيْ الْحَاضِرِ (أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ) مُطْلَقًا (أَوْ) أَخٍ لَهُ (غَيْرِ رَشِيدٍ وَلَهُ) أَيْ الْأَبِ (عِنْدَ فُلَانٍ عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَهُوَ لِلْمَيِّتِ وَيَأْخُذُ الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ وَ) يَأْخُذُ (الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْآخَرِ فَيَحْفَظُهُ لَهُ) حَتَّى يَحْضُرَ أَوْ يَرْشُدَ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ وَذَلِكَ يُوجِبُ تَسْلِيمَ نَصِيبِهِ إلَيْهِ.
(وَتُعَادُ الْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ) أَيْ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ سَبَّبَهُ غَيْرُ إرْثٍ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ لِحَاضِرٍ ادَّعَى نَصِيبَهُ مِنْهُ وَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي ثُمَّ حَضَرَ شَرِيكُهُ الْغَائِبُ فَادَّعَى نَصِيبَهُ مِنْهُ تُعَادُ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَلَا تَبَعِيَّةَ هُنَا (وَكَحُكْمِهِ) أَيْ مِثْلِ الْإِرْثِ فِي ثُبُوت حَقِّ الْغَائِبِ تَبَعًا لِلْحَاضِرِ حُكْمُ الْحَاكِمِ (بِوَقْفٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (تَبَعًا لِمُسْتَحِقِّهِ الْآنَ وَ) مِثْلُهُ (إثْبَاتُ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالْوِكَالَةِ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ فَتَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلْغَائِبِ (تَبَعًا وَ) مِثْلُهُ (سُؤَالُ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ) عَلَى الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ كَسُؤَالِ الْكُلِّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَالْقِصَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى عَدَدٍ أَوْ أَعْيَانٍ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمُشْرِكَةِ) وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ فَأَكْثَر وَإِخْوَةُ الْأَبَوَيْنِ (وَالْحُكْمُ فِيهَا لِوَاحِدٍ) مِنْ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ وَإِنَّهُ يُشَارِكُ الْإِخْوَةَ لِأُمٍّ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (أَوْ) الْحُكْمُ (عَلَيْهِ) بِأَنَّهُ سَاقِطٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْمَفْرُوضِ التَّرِكَةَ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (يَعُمُّهُ) أَيْ الْمَحْكُومَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (أَوْ) يَعُمُّ (غَيْرَهُ) مِنْ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ لِتُسَاوِيهِمْ فِي الْحُكْمِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِطَبَقَةٍ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ (حُكْمٌ) لِلطَّبَقَةِ (الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ وَاحِدًا حَتَّى مَنْ أَبْدَى) مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَلِلثَّانِي الدَّفْعُ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ بَطْنٍ تَلَقَّاهُ عَنْ وَاقِفِهِ فَهُوَ صَلِيٌّ.
(وَمِنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ فَصَدَّقَهُ) الْحَاكِمُ (قَبْلَ قَوْلِهِ الْحَاكِمِ) وَحْدَهُ (إنْ كَانَ) الْحَاكِمُ (عَدْلًا كَقَوْلِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (ابْتِدَاءً) مِنْ غَيْرِ دَعْوَى (حَكَمْتُ بِكَذَا) فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ.
(وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَمْضَى الْقَضَاءَ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قُبِلَ فَكَذَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ إذَا نَسِيَ شَهَادَتَهُ أَنَّ ذِكْرَ مَا نَسِيَهُ لَيْسَ إلَيْهِ وَالْحَاكِمُ يُمْضِي مَا حَكَمَ بِهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ أَيْ يَحْرُمُ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ إنْ صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ أَمَرَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ وَنَصَّهُ يَحْكُمُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ (وَسَمِعْتُ الْبَيِّنَةُ) عَلَى الْمُمْتَنِعِ بِبَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ (وَحَكَمَ بِهَا) ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ) أَيْ بِحُكْمِهِ (أَحَدٌ لَكِنْ وَجَدَهُ) الْحَاكِمُ (فِي قُطْرِهِ فِي صَحِيفَتِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ وَثِيقَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يُنَفِّذْهُ).
لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَمْ يَجُزْ إنْفَاذُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَحُكْمِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَوَّرَ عَلَيْهِ وَعَلَى خَطِّهِ وَخَتْمِهِ وَ(كَخَطِّ أَبِيهِ) إذَا وَجَدَهُ (بِحُكْمٍ أَوْ شَهَادَةٍ لَمْ يَحْكُمْ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ إجْمَاعًا (وَكَذَا شَاهِدٌ رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ فَلَا يَشْهَدُ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَعَنْهُ يَجُوزُ إذَا تَيَقَّنَهُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا خَطُّهُ (وَمَنْ تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ أَوْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ يَتَجَوَّزُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ) لِلْحَاكِمِ (قَبُولُ شَهَادَتِهِ) كَالْمُغَفَّلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ عَلَى الْخَطِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَاكِمُ ذَلِكَ مِنْهُ (حَرُمَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ) أَهَلْ ذَكَرَ الشَّهَادَةَ أَوْ اعْتَمَدَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ؟ لِأَنَّهُ قَدْحٌ فِيهِ بِمَا الْأَصْلُ خِلَافُهُ.
(وَلَا يَجِبُ) عَلَى الشَّاهِدِ إذَا سَأَلَهُ الْحَاكِمُ فِي هَذِهِ الْحَالِ (أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ) أَيْ بِكَوْنِهِ ذَكَرَ الشَّهَادَةَ أَوْ اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ (وَمَنْ نَسِيَ لِشَهَادَتِهِ فَشَهِدَا) أَيْ شَاهِدَانِ (بِهَا لَمْ يَشْهَدْ بِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ.

.فَصْلٌ: حكم مَن لَهُ عَلَى إنْسَانٍ حَقٌّ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ مِنْهُ بِحَاكِمٍ:

(وَمَنْ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ حَقٌّ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ مِنْهُ بِحَاكِمٍ وَقُدِّرَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدِينِ (عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْحَقِّ (فِي الْبَاطِنِ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» وَقَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ وَالْمُعَارَضَةَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذَ حَقَّهُ مِنْ) وَاجِبِ (الضِّيَافَةِ يُحَاكَمُ) فَلَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ (أَوْ مَنْعُ زَوْجٍ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ) لِزَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ (مِنْ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا) كَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ (فَلَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي النَّفَقَاتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِيَّةِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالْمُحَاكَمَةُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ تَشُقُّ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ.
(لَكِنْ لَوْ غَصَبَ مَالَهُ جَهْرًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَغْصُوبِ جَهْرًا) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (أَوْ) أَخْذَ (عَيْنَ مَالِهِ وَلَوْ قَهْرًا) زَادَ فِي التَّرْغِيبِ مَا لَمْ يُفْضِ إلَى فِتْنَةٍ (وَعَنْهُ يَجُوزُ) لِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ مِنْ الْمَدِينِ بِالْحَاكِمِ لِجُحْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ (إنْ لَمْ يَكُنِ) الْمَدِينُ (مُعْسِرًا بِهِ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا الْأَخْذُ (فَيَأْخُذ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ) إنْ وَجَدَ فِي مَالِ الْمَدِينِ مِنْ جِنْسِهِ (وَإِلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ فِي الْبَاطِنِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ) فِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ هِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَلِقَوْلِهِ: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ حَدِيثَ هِنْدٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُقِرًّا بِهِ بَاذِلًا لَهُ أَوْ كَانَ مَالُهُ لِأَمْرٍ يُبِيحَ الْمَنْعَ كَالتَّأْجِيلِ وَالْإِعْسَارِ أَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِالْحَاكِمِ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ الْآخَرِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَهُ) دَيْنَهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ تَقَاصَّا بِشَرْطِهِ وَسَبَقَ (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ بِشَهَادَةِ زُورٍ فَلَا يُحِلُّ لَهُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ كَالْمَالِ الْمُطْلَقِ.
(وَلَوْ) كَانَ حُكْمُ الْحَاكِمِ (فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ وَطَلَاقٍ فَمَنْ حَكَمَ لَهُ بِبَيِّنَةِ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ) بَاطِنًا (وَيَلْزَمُهَا) حُكْمُهُ (فِي الظَّاهِرِ) لِعَدَمِ مَا يَدْفَعُهُ.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا (أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهَا فَإِنْ أَكْرَهَهَا) وَوَطِئَهَا (فَالْأَثِمُ عَلَيْهِ دُونَهَا) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ (ثُمَّ إنْ وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ فَكَزِنًا فَيُحَدُّ) وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ: «رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَرَفَعَا إلَى عَلِيٍّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا تَزَوَّجَنِي اعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ فَقَالَ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ» فَتَقْدِيرُ صِحَّتِهِ لَا حَجَّةَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّزْوِيجَ إلَى الشَّاهِدَيْنِ لَا إلَى حُكْمِهِ وَلَمْ يُجِبْهَا إلَى التَّزْوِيجِ لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ لَكِنْ اللِّعَانُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا لِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَهُ لِسِتْرِ الزَّانِيَةِ وَصِيَانَةِ النَّسَبِ فَتَعَقَّبَهُ النَّسْخُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَتِنَا.
(وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ الْمَحْكُومِ بِنِكَاحِهَا لِرَجُلٍ بِبَيِّنَةِ زُورٍ (غَيْرَهُ) لِخُلُوِّهَا مِنْ النِّكَاحِ (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ (لَا يَصِحُّ) تَزْوِيجُهَا غَيْرَهُ (لِإِفْضَائِهِ إلَى وَطْئِهَا مِنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَالْآخَرُ بِحُكْمِ الْبَاطِنِ) وَهَذَا فَسَادٌ وَكَالْمُزَوَّجَةِ بِلَا وَلِيٍّ.
(وَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودِ زُورٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا) نَصًّا.
(وَيُكْرَهُ لَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا ظَاهِرًا خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ) بِسَبَبِ طَعْنِهِ عَلَى الْحَاكِمِ (وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ بِالْحَالِ) لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَةِ الْأَوَّلِ (وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ) حَكَمَ (عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ عَمِلَ) الْمُجْتَهِدُ (بَاطِنًا بِالْحُكْمِ) كَمَا يَعْمَل بِهِ ظَاهِرًا (لَا بِاجْتِهَادِهِ) لِرَفْعِ حُكْمِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْإِمَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَهُ أَوْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ بِحُكْمٍ أَوْ قِسْمَةٍ فَهُنَا يَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ.
(وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ) عَمْدًا مِنْ ذَبِيحَةٍ أَوْ صَيْدٍ (فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ نَفَذَ) حُكْمُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا بِالْخِطَابِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَإِنْ رَدَّ حَاكِمٌ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِ) رُؤْيَةِ (هِلَالِ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ) رَدُّهُ لِشَهَادَتِهِ (كَ) رَدِّهِ بِبَيِّنَةِ (مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ رَدُّهُ لِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِهِلَالِ رَمَضَانَ (فَتْوَى فَلَا يُقَالُ حَكَمَ بِكَذِبِهِ أَوْ) حَكَمَ (أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ) أَيْ الْهِلَالَ فَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الصَّوْمُ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَرَى قَبُولَ الْوَاحِدِ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ قَالَ الْغَزِّيِّ: وَكَذَا طَهَارَةُ شَيْءٍ وَنَجَاسَتُهُ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا، لَكِنْ يَدْخُلُهَا تَضَمُّنًا كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا أَوْ بِمُوجِبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلَّقِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ.
(وَلَوْ رُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ) لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ مَا يَعْتَقِدُهُ (لَيُنَفِّذَهُ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ) الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ صَحِيحًا لِأَنَّهُ حُكْمٌ سَاغَ الْخِلَافُ فِيهِ فَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمٍ وَ) حُكْمِهِ (بِنُكُولِهِ) أَيْ الْخَصْمِ (وَ) حُكْمِهِ (بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَتَزْوِيجِهِ بِيَتِيمَةٍ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَكَالْحُكْمِ عَلَى غَائِبٍ وَفِي الْمُحَرَّرِ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَنْفِيذُهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ قَبْلَهُ قَالَ شَارِحُهُ: فَإِنَّ نَفْسَ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ.
(وَلَوْ رَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ وَأَقَرَّا) أَيْ الْخَصْمَانِ (بِأَنَّ نَافِذَ الْحُكْمِ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ فَلَهُ إلْزَامُهُمَا بِذَلِكَ) الْعَقْدِ الَّذِي أَقَرَّا أَنَّ نَافِذَ الْحُكْمِ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَقَرَّا بِهِ فَلَزِمَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِغَيْرِهِ (وَلَهُ رَدُّهُ وَالْحُكْمُ) عَلَيْهِمَا (بِمَذْهَبِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بَيِّنَةَ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ.
(وَمَنْ قَلَّدَ) مُجْتَهِدًا (فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ) مُخْتَلَفٍ فِيهِ (لَمْ يُفَارِقْ) الْمَنْكُوحَةَ (بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ) أَيْ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي الصِّحَّةِ (كَحُكْمٍ) أَيْ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ مُجْتَهِدٌ يَرَى صِحَّتَهُ حَالَ الْحُكْمِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ «ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي» (بِخِلَافِ مُجْتَهِدٍ نَكَحَ) نِكَاحًا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّتِهِ (ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَارِقَ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَهُ وَحُرْمَةَ الْوَطْءِ.
(وَلَا يَلْزَمُ) الْمُجْتَهِدَ (إعْلَامُ الْمُقَلِّدِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (بِتَغَيُّرِهِ) أَيْ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ أَنْ يُفَارِقَ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ مَنْ قَلَّدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (فِي إتْلَافٍ) كَقَطْعٍ وَقَتْلٍ (لِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ أَوْ) بَانَ (خَطَأُ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا) لَلْفُتْيَا (ضَمِنَا) أَيْ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي لِأَنَّهُ إتْلَافٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَاهُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ فِيمَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ مِمَّا يَقْبَلُ الِاجْتِهَادَ لَا ضَمَانَ.
(وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ لَزِمَهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (نَقْضُهُ) أَيْ الْحُكْمِ لِفَقْدِ شَرْطِ صِحَّتِهِ (وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ) الْمَحْكُومِ بِهِ إنْ بَقِيَ (أَوْ بَدَلَهُ) إنْ تَلِفَ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ لِأَنَّهُ أَخْذَ بِغَيْرِ حَقٍّ (أَوْ) يَرْجِعُ بِ (بَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ قَتْلِهِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْعَمْدِ.
(وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ)- تَعَالَى- (بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ) كَقَتْلٍ فِي رِدَّةٍ وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ (أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ) أَيْ الْإِتْلَافُ الْحِسِّيُّ كَجَلْدٍ سِرِّيٍّ وَمَاتَ بِهِ ثُمَّ بَانَ كُفْرُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ (ضَمِنَهُ مُزَكُّونَ) إنْ كَانُوا لِتَفْرِيطِهِمْ وَتَسَبُّبِهِمْ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ (وَإِنْ بَانُوا) أَيْ الشُّهُودُ (عَبِيدًا أَوْ وَلَدًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ) وَلَدًا أَوْ عَدُوًّا (لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ) لِمُوَافَقَتِهِ اعْتِقَادَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرَ حَاكِمُهُ الْحُكْمَ بِهِ (وَنَقَضَهُ وَلَمْ يُنَفِّذْ) حُكْمَهُ بِهِ (لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ) وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ اعْتِقَادَهُ إلَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّهُ يُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ وَيُرَاعِي نُصُوصَ إمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا وَيَحْكُمُ بِهِ وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ أَفْتَى التَّقِيُّ الْفَتُوحِيُّ بِنَقْضِ حُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ بِأَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ إمَامِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الْمِرْدَاوِيُّ فِي الرَّدِّ الْجَلِيِّ أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُ الْمُقَلِّدِ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ إمَامِهِ.
(وَإِذَا حَكَمَ) الْحَاكِمُ (بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ ثُمَّ) ارْتَابَ الْحَاكِمُ (فِي شَهَادَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي حُكْمِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةٌ لِلصِّحَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ.
(وَفِي الْمُحَرَّرِ: مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ بَانُوا) أَيْ الشُّهُودُ (عَبِيدًا فَلَهُ نَقْضُهُ إذَا كَانَ) الْحَاكِمُ (لَا يَرَى قَبُولَهُمْ فِيهِ) أَيْ الْقَوَدِ وَالْحَدِّ فَقَوْلُهُ لَهُ نَقْضُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ أَوْ أَمْضَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا وَلَعَلَّهُ قَالَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْعِ فَلَا يُنَافِي ظَاهِرُهُ كَلَامَ غَيْرِهِ مِنْ لُزُومِ نَقْضِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ عِنْدَهُ (وَكَذَا) شَيْءٌ (مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ لِلشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ (صَادَفَ مَا حَكَمَ بِهِ) الْحَاكِمُ (وَجَهِلَهُ) الْحَاكِمُ فَيَنْقُضُهُ إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ مَعَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ (خِلَافًا لِمَالِكٍ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ) مُوَضَّحًا.